الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر **
فمات في الغزاة أكبر أمرائه محمد بن الأشعث الذي كان ولي إمرة مصر. وفيها توفي بالكوفة زكريا بن أبي زائدة الهمداني القاضي ولد يحيى. روى عن الشعبي وغيره. وفيها كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل وجماعة. وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف. سنة خمسين ومائة فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استاذ سيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاث مائة ألف مقاتل من بين فارس وراجل سائرهم من أهل وسجستان. واستولى على أكثر خرسان. وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المروروذي. فقتل الأخثم واستبيح عسكره. فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق كثير حتى قيل إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفًا. وانهزم استاذ سيس في طائفة إلى جبل. وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطرادًا. ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم. وكانوا أربعة عشر ألفًا. ثم حاصر استاذ سيس مدة. ثم نزل على حكمهم فقيد هو وأولاده وأطلق أصحابه وكانوا ثلاثين ألفًا. فيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي مولى بني أمية عن أكثر من تسعين سنة. أخذ عن عطاء وطبقته. وهو أول من صنف الكتب بالحجاز كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنف بالعراق. قلت: ولم يطلب العلم إلا في الكهولة ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة. فإنه قال: كنت أتبع الأشعار والعربية والأنساب حتى قيل لي: لو لزمت عطاءً فلزمته ثمانية عشر عامًا. قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من ابن جريج. وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه فوجدته قد مات رحمه الله. وفي رجب توفي فقيه العراق الإمام أبو حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة. ومولده سنة ثمانين. رأى أنسًا وروى عن عطاء بن أبي رباح وطبقه. وتفقه على حماد بن أبي سليمان. وكان من أذكياء بني آدم جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز الدولة بن ينفق ويؤثر من كسبه. له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صُناع وأجراءُ. قال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلًا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعًا. وقد روي أن المنصور سقاه السم فمات شهيدًا رحمه الله سمّه لقيامه مع إبراهيم. وفيها توفي عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى عن سالم بن عبد الله وطائفة. ولم يعقب. وكان من السادة العباد. قال الثوري: لم يكن في آل ابن عمر أفضل منه. وقال أبو عاصم نبيل: كان من أفضل أهل زمانه. وفيها توفي عثمان بن الأسود المكي. روى عن سعيد بن جبير ومجاهد وطاوس. سنة إحدى وخمسين ومائة فيها قدم المهدي من الري إلى بغداد ليراها. فأمر أبوه ببناء الرصافة المهدي في الجانب الشرقي مقابلة بغداد. وجعل له حاشية وحشم وآلة في زي الخلافة. وجدد البيعة بالخلافة للمهدي من بعده ومن بعد المهدي لعيسى بن موسى. وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم. قال هشام بن حبان: لم تر عيناي مثل ابن عون. وقال قرة: كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه ابن عون. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون. وفيها على الصحيح محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة. رأى أنسًا. وسمع الكثير من المقبري والأعرج وهذه الطبقة. وكان بحرًا من بحور العلم. ذكيًا حافظًا طالبًا للعلم أخباريًا نسابة علامة. قال شعبة: هو أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن معين: هو ثقة وليس بحجة. وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي. روى عن مجاهد وطبقته. فيها الوليد بن كثير المدني بالكوفة. روى عن بشير بن يسار وطائفة. وكان عارفًا بالمغازي والسير. ولكنه إباضي. وفيها سيف بن سليمان المكي. روى عن مجاهد وغيره.
وفيها أو في التي تليها صالح بن علي الأمير عم المنصور وأمير الشام وهو الذي أمر ببناء أذنة التي في يد صاحب سيس. وقد هزم الروم نوبة دابق وكانوا في مائة ألف. وفيها قتلت الخوارج غيلة معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان. وكان قد وليها عام أول. وكان أحد الأبطال والأجواد. سنة اثنتين وخمسين ومائة فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة أحد الأشراف والعلماء بدمشق. عن سن عالية. روى عن أبي أمامة وواثلة الأسقع وخلق كثير. وفيها عباد بن منصور الناجي. روى عن عكرمة وجماعة. وولي قضاء البصرة تلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني وليس بالقوي في الحديث. وفيها أبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري. روى عن الحسن وطبقته. قال شعبة: هو أصدق الناس. وقال أبو داود الطيالسي: كان يختم في كل ليلتين. وفيها وقيل بعدها يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري وأوثق أصحابه. وقد روى عن سنة ثلاث وخمسين ومائة فيها غلبت الخوارج الإباضية على إفريقية وهزمواعسكرها وقتلوا متوليها عمر بن حفص الأزدي وكان على رأسهم ثلاثة: أبو حاتم الإباضي وأبو محمد. وأبو قرة الصفري. وكان أبو قرة في أربعين ألفًا من الصفرية قد بايعوه بالخلافة. وكان أبو حاتم وصاحبه في مئتي ألف فارس وأمم لا يحصون من الرجالة. وفيها ألزم المنصور الناس بلبس القلانس المفرطة الطول. وتسمى الدنية لشبهها بالدن. وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب ويعمل عليها السواد. وفيها شبه من الشربوش. وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني. روى عن سعيد بن المسيب فمن بعده. وفيها أبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص. روى عن خالد بن معدان وطبقته. قال يحيى القطان: ما رأيت شاميًا أوثق منه. وقال أحمد: كان يرى القدر. ولذلك نفاه أهل حمص. وفيها الفقيه أبو محمد الحسن بن عمارة الكوفي قاضي بغداد. روى عن ابن أبي ملكية والحكم وطبقتهما. وهو واه باتفاقهم. وفيها عبد الحميد بن جعفر الأنصاري المدني. روى عن المقبري وجماعة. وفيها وقيل سنة خمس فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الحناط. روى عن أبي الطفيل وأبي وائل وخلق. وهو مكثر حسن الحديث روى له البخاري مقرونا بآخر. وفيها محل بن محرز الضبي الكوفي. قال أبو حاتم: كان آخر من بقي من أصحاب إبراهيم. ما بحديثه بأس. ولا يحتج به. قلت: لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئًا. وقد روى أيضا عن أبي وائل والشعبي. ووثقه أحمد. وفي رمضان معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ أبو غزوة صاحب الزهري كهلًا. روى عن أبي جبارة والحسن. وأقدم شيوخه موتًا قتادة. قال أحمد: ليس يضم معمر إلى أحد إلا وجدته فوقه. وقال غيره: كان معمر صالحًا خيرًا وهو أول من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث فلقي بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة. وفيها موسى بن عبيدة الربذي بالمدينة روى عن نافع وطبقته. وكان صالحًا ضعيفًا باتفاق. وفيها على الأصح وقيل سنة أربع هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري الدستوائي ويقال صاحب الدستوائي لأنه كان يتجر في الثياب المجلوبة من دستوا. وهي من الأهواز. روى عن قال شعبة: ما من الناس أحد أقول إنه طلب الحديث لله إلا هشام الدستوائي. وهو أعلم بحديث قتادة مني. وقال أبو داود الطيالسي: كان أمير المؤمنين في الحديث. قال شاذ بن فياض: بكى هشام حتى فسدت عيناه. وفيها هشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بيت المال للمنصور. روى عن مكحول وطبقته. وكان من ثقات الشاميين وعلمائهم. وفيها وهيب بن الورد المكي العابد صاحب المواعظ والرقائق روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة. سنة أربع وخمسين ومائة فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب فسار إلى الشام وزار القدس. وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس وعقد له على المغرب. فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم. ومر بدمشق فاستعمل على قضائها يحيى بن حمزة فبقي قاضيًا ثلاثين سنة. وفيها توفي أشعب الطامع. ويعرف بابن أم حميد المدني. روى عن عكرعة وسالم. وله نوادر وملح في الطمع والتطفل سائدة. وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي. محدث دمشق. روى عن أبي الأشعث الصنعاني وخلق من التابعين. وفيها قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن وابن سيرين. قال يحيى القطان: كان من أثبت شيوخنا. وفيها معمر في قول وقد مر. وفيها الحكم بن أبان العدني. روى عن طاوس وجماعة. و كان شيخ أهل اليمن وعالمَهم بعد مَعْمر. قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنة. كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه فيذكر الله حتى يُصبج. وفيها مقرىء البصرة الإمام أبوعمرو بن العلاء المازني أحد السبعة وله أربع وثمانون سنة قرأ على أبي العَالية الرياحيّ وجماعة. وروى عن أنس وإياس. قال أبو عمرو: كنت رأسًا والحسن حي. ونظرت في العلم قبل أن أختن. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب. قال: وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها. سنة خمس وخمسين ومائة فيها افتتح يزيد بن حاتم إفريقية واستعادها من الخوارج وهزمهم وقتل كبارهم: أبا حاتم وأبا عاد وطائفة. ومهد قواعدها. وفيها أو سنة ثمان توفي. محدث حمص صفوان بن عمرو السكسكي. أدرك أبا أمامة. وروى عن عبد الله بن بسر وعن جبير بن نفير والكبار. وفيها مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلالي الكوفي. أخذ عن الحكم وقتادة وخلق. وكان عنده نحو ألف حديث. وقال يحيى القطان: ما رأيت أثبت منه. وقال شعبة: كنا نسمي مسعرًا المصنف. وقال أبو نعيم: مسعر أثبت من سفيان وشعبة. وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاضي. روى عن عميربن هانئ العنس وجماعة. فيها توفي سعيد بن أبي عروبة الإمام أبو النضر العدوي. شيخ البصرة وعالمها. وأول من دون العلم بها. وكان قد تغير حفظه قبل موته بعشر سنين. روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار. وقيل توفي سنة سبع وخمسين. وفي آخر السنة عبد الله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس. روى عن الحسن وطبقته. وكان كثير العلم جليل القدر. قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة. قلت: عاش سبعين سنة. وفيها شيخ إفريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الشّعبْاني الإفريقيّْ الزاهد الواعظ. روى عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي وطبقته. وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام خشن فاحتمله وليس بقوي في الحديث. وفيها عمر بن ذر الهمداني الكوفي الواعظ البليغ. روى عن أبيه وأبي وائل والكبار. وفيها علي بن أبي حملة الدمشقي المعمر. أدرك معاوية وروى عن أبي إدريس الخولاني والكبار. و قد وثقه أحمد وغيره. وفيها وقيل سنة ثمان فارسُ الكوفة أبو عُمارة حمزة بن حبيب التيمي. مولى تيم الله بن ربيعة الكوفي الزيات الزاهد. أحد السبعة. قرأ على التابعين. وتصدر للإقراء. فقرأ عليه جُل أهل الكوفة. وحدث عن الحكم ابن عُييَنة وطبقته. وكان رأسا في القرآن والفرائض قدوة في الورع. سنة سبع وخمسين ومائة فيها توفي الحُسينُ بن واقد المروزي قاضي مرو. روى عن عبد الله ابن بريدة وطبقته. وفي صفر إمام الشاميين أبو عَمْرو عبدُ الرحمن بن عمرو الأْوزاعيُ الفقيهُ. روى عن القاسم مُخَيْمَرة وعطاء وخلق كثيرمن التابعين. وكان رأسًا في العلم والعمل جم المناقب. ومع علمه كان بارعًا في الكتابة والترسل. قال الهقل بن زياد: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة. وقال إسماعيل بن عياش: سمعتُ الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. وقال عبد الله الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهادًا في العبادة من الأوزاعي. وقال أبو مسْهَر: كان يُحيي الليل صلاة وقرآنًا وبُكاءً.
وفيها محمد بن عبد الله ابن أخي الزُهّري المدني. روى عن عمه وأبيه. وفيها مُصْعَبُ بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بالمدينة. روى عن أبيه وعطاء وطائفة. ضعفه ابن معين. وفيها يوسفُ بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. روى عن جده وعن الشعبي. قال ابن عُيَبْنَة: لم يكن في ولد أبي إسحاق أحَفظ منه. سنة ثمان وخمسين ومائة فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف ألف درهم ثم رضي عليه وأمَّرّه على الموصل. وفيها توفي أفْلَحُ بن حُمَيْد الأنصاري المدني. روى عن القاسم أبي بكر بن حزْم. وفيها توجه المنصور للحج. فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجة عند بئر ميمون بظاهر مكة مُحْرمًا. فأقام الموسم إبراهيمُ بن يحيى بن محمد صبيّ أمرد. وهو ابن أخي المنصور. واستخلف المهدي. وفيها توفي الفقيه أبوعمرو معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي نزيل الأندلس. وقاضي الجماعة بها. حج فأدركه الأجل بمكة. صلى عليه الثوري روى عن مكحول وطبقته. وأكثر عنه في هذا العام المصريون والحجاج. وقيل مات سنة تسع. وفيها على الصحيح حيوة بن شريح التجيبي المصري الفقيه أحَدُ الزهاد والعلماء السادة. صحب يزيد بن أبي حبيب. وروى عن أبي يونس مَولى أبي هريرة وطبقته. وكان مجاب الدعوة. وفيها زُفَرَ بن الهذيل العنبري الفقيه صاحب أبي حنيفة وله ثمان وأربعون سنة. وكان ثقة في الحديث موصوفًا بالعبادة. نزل البصرة وتفقهواعليه. وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي صاحب الزهري. وثقة الدارقطني لصحة كتابه. وما روى عنه إلا حفيدُه حجاج بن أبي منيع. وفيها توفي أخباريان كبيران: عبدُ الله بن عياش الهمداني الكوفي صاحب الشعبي ويعرف بالمنتوف. وعوانة بن الحكم البصريُ. وفيها في ذي الحجة بمكة المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي وله ثلاث وستون سنة وكانت خلافته اثنتين وعشرين سنة. وكانت أمه بربرية. وكان طويلًا مهيبًا أسمرَ خفيف اللحية. رحب الجبهة. كأن عينيه لسانان ناطقان تقبله النُفوس. وكان يُخالط أبهة الملك بزي أولي النسك. ذا حزمٍ وعزمٍ ودهاءٍ ورأي وشجاعة وعَقْل. وفيه جبروت وظلم. وفيها مات طاغية الروم قسطنطين بن إليون عليه اللعنة. سنة تسع وخمسين ومائة فيها ألحّ المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن بالرغبة والرهبة في خلع نفسه ليولي العهد لولده موسى الهادي فأجاب خوفًا على نفسه. فأعطاه المهدى عشرة آلاف ألف درهم وإقطاعات. وفيها تُوفي الإمام أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه. ومولده سنة ثمانين. روى عن عكْرمة ونافع وخلق. قال أحمد بن حنبل: كان يشبه بسعيد بن المسيب. وما خلَفَ مثله. كان أفضل من مالك إلا أن مالكًا أشد تنقية للرجال. وقال الواقدي: كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة فلو قيل إن القيامة تقوم غدًا ما كان فيه مزيد من الإجتهاد. وأخبرني أخوه أنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا. ثم سرده. وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت. وكان من رجال العالم صرامة وقولًا بالحق. وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب. وقال أحمد: دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يؤهله أن قال: الظلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر. وفيها عبد العزيز بن أبي رواد بمكة. روى عن عكرمة وسالم وطائفة. قال ابن المبارك: كان من أعبد الناس. وقال غيره: كان مرجئًا. وفيها عكرمة بن عمار اليمامي. روى عن طاوس وجماعة وسمع من الهرماس بن زياد الصحابي. قال عاصم بن علي: كان مستجاب الدعوة. قلت: آخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجه. وفيها عمار بن زريق الضبي الكوفي. روى عن منصور والأعمش. وكان كبير القدر عالمًا خيرًا. قال أبو أحمد الزبيري لبعضهم: لو كنت اختلفت إلى عمار بن زريق لكفاك بأهل الدنيا. وفيها أو في سنة سبع عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني. ولقبه رباح. روى عن أبيه وعن سعيد بن المسيب. وهو أكبر شيخ للقعنبي. وفيها في أولها مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته. وكان كثير الحديث ثقة حجة. قال ابن عيينة: قال له رجل اتق الله فوضع خده بالأرض. وفيها يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن سن عالية. روى عن أنسٍ وكبار التابعين. وكان صدوقًا كثيرالحديث قال عبد الرحمن بن مهدي وغيُره: لم يكن به بأس. وفيها أميرُ خراسان حمُيد بن قُحْطبة بن شبيب الطائيّ. وقد ولي أيضًا الجزيرة ومصر. سنة ستين ومائة في أولها كان خلع عيسى بن موسى. وقد ذكرنا ابتداء ذلك في السنة الماضية. وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعي مدينة كبيرة بالهند.
وفيها فرق المهدي في الحرمين أموالًا عظيمة إلى الغاية قيل إنها بلغت ثلاثين ألف ألف درهم. وفرق من الثياب مائة ألف وخمسين ألف ثوب. وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج حتى وافى به مكة للمهديَ وهذا شيء لم يتهيأ لأحد. وتُوفي في غزوة الهند في الرجعة بالبحر الربيع بن صبيح البصري صاحب الحسن. وقد قال فيه شُعبةُ: هو عندي من سادات المسلمين. وقال أحمد: لا بأس به. وفيها لثلاث بقين من جُمادى الآخرة شعبة بن الحجاح بن الورد الإمام أبو بسطام العتكي الازدي. مولاهم الواسطي شيخ البصرة. وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين. قال الشافعي: لو لا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال ابن المدني: له نحو ألفي حديث. وقال سفيان لما بلغه موت شعبة: مات الحديث. وقال أبو زيد الهروي: رأيت شعبة يصلي حتى تورم قدماه. وقد أثنى جماعة من كبار الأئمة على شعبة ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير. وكان رأسًا في العربية والشعر سوى وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي. روى عن الحكم بن عيينة وعمرو بن مرة وخلق. قال أبو حاتم: كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود. وتغير قبل موته بسنة أو سنتين. سنة إحدى وستين ومائة فيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو. واستغوى خلائق لا يحصون ورأى الناس قمرًا ثانيًا في السماء كان يرى إلى مسيرة شهرين. وفي شعبان توفي الإمام العالم أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه سيد أهل زمانه علمًا وعملًا وله ست وستون سنة. روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب وخلق كثير. قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة ما فيهم أفضل من سفيان الثوري. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال أحمد بن حنبل: لا يتقدم سفيان في قلبي أحد. وقال يحيى القطان: ما رأيت أحدًا أحفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء. وقال ورقاء: لم ير الثوري مثل نفسه. وكان كثير الحط على المنصور لظلمه. فهم به وأراد قتله فما أمهله الله. ومناقب سفيان كثيرة لا يحتملها هذا التاريخ. وفي أولها أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ. روى عن زياد بن علاقة وطبقته. قال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة. وقال الطيالسي: كان لا يحدث عن صاحب بدعة. وفيها حرب بن شداد اليشكري البصري. روى عن شهر بن حوشب والحسن ويحيى بن أبي كثير. وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري وقد نيف على الستين. روى عن أبي زهرة بن معبد و جماعة. وفيها أو في حدودها ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن. روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما. قال أبو داود الطياليسي: قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع. وقال أحمد: كان ثقة صاحب سنة. وفيها أو في حدودها داود بن قيس المدني الفراء الدباغ. روى عن المقبري وطبقته. وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان. روى عن عطاء بن أبي رباح الربيع بن أنس الخراساني. وكان زميل المهدي إلى مكة. سنة اثنتين وستين ومائة وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار إبراهيم بن أدهم واستولوا على جرجان. وقتلوا خلائق. فقصده عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القاهر وخلق من أصحابه. وفيها إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام. روى عن منصور. ومالك بن دينار وطائفة. ووثقه النسائي. وغيره. وكان أحد السادات. وفيها. وقيل سنة ستين داود بن نصير الطائي الكوفي الزاهد. وكان أحد من برع في الفقيه ثم اعتزل. روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة. وكان عديم النظير زهدًا وصلاحًا. وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري المدني. أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة. وهو متروك الحديث. قد ولي بعده القاضي أبو يوسف. وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التيمي المروزي الخراساني. نزل الشام ثم الحجاز. وحدث وفيها أو قبلها يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري. روى عن الحسن وعطاء والكبار. وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره. وفيها أو في حدودها شبيب بن شيبة المنقري البصري. وكان فصيحًا بليغًا أخباريًا. روى عن الحسن وابن سيرين. وأبو سفيان حرب بن شريح المنقري البصري البزار روى عن ابن أبي مليكة وجماعة. قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص عن سن عالية. رأى أبا سعيد الخدري. وروى عن السائب بن يزيد وجماعة. قال ابن سعد: كان من أهل الفضل والنسك يعظ ويذكر. قلت: آخر من روى عنه كامل بن طلحة. سنة ثلاث وستين ومائة فيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة. وصرف همته إلى تتبعهم وأتى بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب.
وفيها بالغ سعيد الجرشي في حصار عطاء المقنع. فلما أحس الملعون بالغلبة استعمل سما وسقى نساءه. فأهلكهم الله. ودخل المسلمون الحصن فقطعوا رأسه ووجهوا به إلى المهدي. فوافاه بحلب. وكان يقول بالتناسخ وأن الله تحول إلى صورة آدم ولذلك سجدت له الملائكة ثم تحول إلى صورة نوح ثم إلى غيره من الأنبياء والحكماء ثم إلى صورة أبي مسلم الخراساني ثم إلى صورته تعالى الله عن قوله علوًا كبيرًا. فعبده خلق وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من قبح صورته وعوره ولكنته وقصره. وكان قد اتخذ وجهًا من ذهب ولذلك قيل له المقنع واستغواهم بالسحر وأطمع لهم قمرًا يرى من مسيرة شهرين. كما قيل: إليك فما بدرُ المّقنع طالعًا بأَسحر من ألحاظ بدري المّعمم وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الخراساني بنيسابور روى عن عمر بن دينار وطبقته. قال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث. ما كان بخراسان أكثر حديثًا منه. وفيها أرطاة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار. وكان ثقة حافظًا زاهدًا معمرًا. قال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر. وفيها بكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور بدمشق. روى عن أبي الزبير المكي وجماعة. قال النسائي: ليس به بأس. وفيها حريز بن عثمان الحمصي. روى عن عبد الله بن بسر الصحابي وعن كبار التابعين. واتهم بنصب ما. قال أبو اليمان: كان ساول من رجل ثم ترك. وقال أبو حاتم: لا يصح ما يقال في رأيه. ولا أعلم بالشام منه. وقال أحمد: ثقة ثقة. وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين: ليس به بأس. وفيها أو في التي قبلها شعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي مولى بني أمية. وصاحب الزهري. قال أحمد بن حنبل: رأيت كتبه قد ضبطها وقيدها. قال: وهو عندنا فوق يونس وعقيل. وقال علي بن عياش: كان عندنا من كبار الناس. وكان من صنف آخر في العبادة. وفيها موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري. روى عن أبيه وطائفة. وولي إمرة ديار مصر وهمام بن يحيى العوذي مولاهم البصري. روى عن وعطاء وطائفة. وكان أحد أركان الحديث ببلده. قال أحمد: هو ثبت في كل مشايخه. وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري. روى عن بكير بن الأشج وجماعة. وكان كثير العلم فقيه النفس. وفيها أو حدودها أبو غسان محمد بن مطرف المدني. روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته.
|